تقديم التقرير :
تحتل قضية المساواة مكانة مهمة في إصلاحات التعليم في المغرب، وذلك على
الأقل، منذ صدور الميثاق الوطني للتربية والتكوين. بالإضافة إلى ذلك، فقد حظر
دستور المملكة صراحة التمييز على أساس الجنس (الديباجة)، وضمن المساواة بين النساء
والرجال في الحقوق المدنية والسياسية (المادة 19). كما حددت الرؤية الاستراتيجية
للإصلاح 2015-2030، ثلاث ركائز ، تهدف من خلالها بلوغ مدرسة الإنصاف والجودة
والنهوض بالفرد والمجتمع، بغض النظر عن الجنس أو الانتماء الجغرافي والاجتماعي أو
أي متغير آخر قد يكون تمييزيا. وتبرز الأهمية التي أولتها الرؤية الاستراتيجية
لمحاربة اللامساواة بجميع أنواعها وبشكل خاص من خلال الرافعتين 3 و 18 ،
باعتبارهما خيارين استراتيجيين لا محيد عنهما، مع الأخذ بعين الاعتبار لأربعة
أبعاد وهي المقاربة البيداغوجية والهياكل التربوية والمؤسساتية، والفاعلون
البيداغوجيون، والعلاقة بين المدرسة ومحيطها.
كما استندت الرؤية الاستراتيجية 2015-2030 إلى نص قانوني يضمن استمرارية توجهاتها، بما يتجاوز الزمن السياسي الحكومي. وبالفعل، ارتقى القانون الإطار 51.17 ، رغم النواقص التي قد تشوبه في هذا المجال، بمبادئ المساواة والإنصاف إلى مرتبة المبادئ الأساسية التي تقوم عليها
منظومة التربية والتكوين وترجمها إلى مقتضيات تشريعية.
أما على المستوى الدولي، فقد أعادت قمة « تحويل التعليم التي انعقدت في شتنبر 2022 برعاية الأمم المتحدة، وبمشاركة المغرب إطلاق الدعوة إلى تحقيق المساواة بين الأولاد والبنات والرجال والنساء، والتي شهدت إلى وقت قريب، تباينات متنوعة في العديد من البلدان، على الرغم من التقدم المحرز خلال العقود الأخيرة.
وتعيد مسارات العمل والتحرك المقترحة على أساس المعاينات على المستويات الدولية
والإقليمية والوطنية تركيز النقاش، من ناحية على الحق الإنساني للنساء في عدم
التعرض للتمييز ، بذريعة أنهن ولدن نساء ومن ناحية أخرى، على القوة التغييرية
للمجتمعات والتي يولدها التعليم ولا سيما تعليم النساء، لصالح التنمية البشرية
الشاملة والديمقراطية والمستدامة.
ومن جهتها، توضح الأبحاث والدراسات التي أجريت على الصعيد الوطني العلاقة بين تعليم النساء والتحسن الكبير الذي يطال العديد من المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية مكسبا المغرب نقاطا على سلم الناتج الداخلي الإجمالي. والحقيقة الأخرى الجديرة بالذكر هي أن متوسط المستوى التعليمي
لمنتخبينا على مستوى البرلمان والجماعات الترابية قد ارتفع منذ أن تمكنت النساء من
كسر «السقف الزجاجي» الذي أبقاهن بشكل غير عادل خارج الولايات الانتخابية
لقد تحسن تمدرس الفتيات بشكل ملحوظ في بلدنا
والوضع اليوم يكاد يقترب من المناصفة على مستوى التعليم الابتدائي، وهو ما يشكل في
حد ذاته تقدما كبيرا. لكن على الرغم من ذلك، لا يمكن اختزال المساواة بين الجنسين
في مؤشر الإنصاف الكمي وحده ، لأن هذا الأخير، ليس سوى مقدمة لمسلسل متكامل،
يتجاوز بكثير هذا المستوى. إذ إن المساواة بين الجنسين، تقوم على ثلاث ركائز ، وهي
المساواة في التعليم، والمساواة من خلال التعليم والمساواة بالتعليم وتعني الأولى
الحصول على مكان في المدرسة والقدرة على البقاء فيها، والثانية تحيل على عملية
التعلم من خلال المحتويات والممارسات المدرسية والمساواة بين الجنسين في الكرامة
والحقوق، أما الأخيرة فتدعو إلى النهوض بالتمكين الاقتصادي، والعمل على ضمانه بعد
إنهاء المشوار الدراسي للرجال والنساء على حد سواء.
ويشجع سياق الإصلاح الحالي على إبراز الدور الاستراتيجي للمدارس كناقلة للتغيير في اتجاه المواطنة الكاملة للنساء والرجال. وينبغي أن يكون تنزيل هذا الدور محل نقاش عميق
يبنى في الوقت نفسه، على ما تم تحقيقه من مكتسبات، ويسمح بقيادة مترادفة المسارين
مترابطين، هما المساواة في الحق في التعليم والتربية على المساواة.
يشكل هذا التقرير مساهمة أولى من المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي في الورش الوطني الواسع حول المساواة بين الرجال والنساء في سياق يلتقي ويتقاطع فيه مسار الإصلاح الجاري في منظومة التربية والتكوين، منذ اعتماد القانون الإطار رقم 51.17 ، مع مسار مراجعة
مدونة الأسرة التي أطلقها صاحب الجلالة في 30 يوليو 2022 تنزيلا للأحكام الدستورية
المتعلقة بالمساواة بين الرجال والنساء.
إن اختيار إشكالية المساواة بين الجنسين في ومن خلال المنظومة التربوية موضوعا لتقرير موضوعاتي يصاحب إصدار التقرير السنوي الأول الخاص بولاية المجلس للفترة 2023-2027 ليس من قبيل الصدفة.
إنه إشارة قوية موجهة إلى الأسرة التعليمية بأكملها من أجل المساهمة في تعزيز كل
المكتسبات المحققة، وإيلاء اهتمام خاص للدور الذي ينبغي أن تلعبه «المدرسة الجديدة
باعتبارها ناقلة لقيم التغيير والنهوض بثقافة المساواة ويندرج هذا الاختيار كذلك
في سياق تنصيب اللجنة الدائمة لتجديد وملاءمة المناهج والبرامج والتكوينات، ويؤكد
التزام المجلس في الوقت نفسه، بتقديم مساهمة نوعية من خلال مهامه الاستشارية
والتقييمية والاقتراحية.
في هذا السياق، يشكل هذا التقرير الموضوعاتي مساهمة في بناء وإغناء المعرفة المتعلقة بقضايا المساواة بين الجنسين والتعليم من خلال منظور التقييم الذي تجسده مهام الهيئة الوطنية للتقييم لدى المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي إذ تُنجز هذه الأخيرة بانتظام تقييمات شاملة، وأخرى قطاعية أو موضوعاتية لمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي. وتهدف هذه التقييمات لأداء ومردودية المنظومة المغربية، والموجهة إلى صناع القرار والفاعلين والأسر ووسائل الإعلام والرأي العام، إلى دراسة وفحص موضوع معين أو قطاع أو مكوّن من مكونات المنظومة التربوية، من خلال التحليل المعمق للمعطيات المتأتية من الدراسات والبحوث الميدانية والنظرية المنجزة في إطار التقييم.
وتتعلق الأبعاد التي تم تناولها في هذا التقرير بالتوجهات الاستراتيجية الكبرى في مجال التربية وفق مبدا المساواة بين الجنسين، وتصورات ومواقف وتطلعات الأسر المغربية ارتباطا بالتعليم، والولوج إلى المنظومة التعليمية، والمناهج والحياة المدرسية، والمحيط والمناخ المدرسيين من
خلال العنف في الوسط المدرسي وجودة التعلمات، أي المكتسبات التعليمية للتلامذة كما تم قياسها في البحوث والدراسات الوطنية والدولية في هذا المجال، بالإضافة إلى الأداء الخارجي للمنظومة التعليمية، مع التركيز على التحليل القائم على النوع للمشاركة في سوق الشغل والإدماج المهني لخريجي التعليم العالي.
وبالإضافة إلى ذلك، تم إعداد أطلس جهوي يرافق هذا التقرير ويتناول مسألة الولوج إلى التعليم، باتباع تحليل يراعي السلم الجهوي والإقليمي والجماعاتي، للفوارق القائمة على النوع الاجتماعي، فضلاً عن تحليل التأخر الدراسي، حسب المستوى التعليمي والجنس والوسط وذلك طيلة العقدين الماضيين.
ولإعداد هذا التقرير، تم تبني المقاربة التقاطعية، من أجل استكشاف كيف تتفاعل عدة عوامل بشكل متزامن للتأثير على عملية التربية. إذ يمكن تحليل هذا التقاطع من تسليط الضوء على أشكال اللامساواة النسقية، التي تحددها العوامل السوسيو- اقتصادية والثقافية المتداخلة والمغذية لبعضها البعض.